أعوذ بالله من الشيطان الرجيم‏

 

                        بسم الله الرحمن الرحيم‏

 

 (وَلا تهنوا وَلا تَحْزنوا وأَنتمُ الأعلَوْنَ إِنْ كُنْتمْ مُؤمنينَ) «[1]»

 

المهمّ هو الإيمان، فكيف نحظى به؟ الإسلام بالشهادتين، والإيمان بإشراقة القلب. فهو ما يقوله اللسان، ويلقّنه القلب، ويقبله القلب، ويثق به. فإذا وثقتم بأن الله- تبارك وتعالى- قادر مطلق، وحيّ مطلق، وجواد مطلق، وقادر عظيم الشأن، فلا حزن ولا هوان. 

وسطع فيكم تجلٍّ من هذا الإيمان، وبهذا التجلِّي انهار ذلك السدُّ العظيم انهياراً ما كان يُصدّق، السدّ الذي كانت جميع القوى والقوى الكبرى والحكومات معه. كلّ الحكومات الإسلامية كانت معه، ولعلّنا نستثني منها واحدة أو اثنتين. وكلّ القوى الكبرى كانت له ظهيرا.

 

انتصار الفكر الديني على المادية

 

أعلنت أمريكة مؤازرتها تكراراً، وهكذا بريطانيا إذ كان خادماً جيّداً لهم، وإعرابهم عن أسفهم عليه دليل أنّه كان خادماً جيّدا. وطبيعي أن يعربوا عن أسفهم عليه، لِمَ لا يأسفون على أحد قدّمَ وطنه طعمة طوال عمره؟

 

لِمَ لا يأسفون؟ لِمَ لا يأسف مجلس الشيوخ الأمريكيّ على قتل إيران لِعِدّة قَتَلة؟ 

يُعربون عن أسفهم على أنهم فقدوا هؤلاء الخدم. ولهم الحقّ أن يأسفوا، فالإنسان غير مهمّ عندهم، إنّما المهم المصالح. ليس المهمّ الإيمان، بل النّفط. ولأنَّ أفكارهم مادّيّة، ولا اطّلاع لهم على الإيمان، وكانوا لا يعرفون الله، كانوا يرون انتصار فئة لا شي‏ء لديها على قدرة شيطانية تمتلك كل وسائل الحرب ومؤازرة كل القوى الكبرى مُحالًا. أولئك حسبوا الحساب المادِّيّ لا الإيمانيّ.

 

وعلى القواعد المادّية كانوا يقولون صحيحاً، فعلى هذه القواعد جرى ما كانوا يقولون. فما كان لدينا شي‏ء غير قبضة خالية، وهم يمتلكون كل شي‏ء، لكن جاءت قدرة الإيمان وبها تحطّمت تلك السدود الكبرى.

 

" وأنتم الأعلون" مادام فيكم الإيمان، ومادمتم تُحافظون عليه، فاسعَوا إلى أن تنالوا الإيمان، وأن تحفظوه.

 

هزيمة القوى المادّية أمام القوة الإلهية

 

حطّمت هذا السدَّ الكبير طلعةُ الإيمان، وكفّت يد الأجانب والقوى الكبرى. والإيمان هو الذي حطّم الإمبراطوريتين العظيمتين في صدر الإسلام، وما كان في الأمر قدرة مادّية. في حرب الروم كانت طليعتهم ستين ألفاً، وكان عدد المسلمين جميعاً ثلاثين ألفا. وكان خلف طليعة الروم سبع مئة ألف جندي. فقال أحد قادة المسلمين «[2]»: ليأتِ معي الليلة ثلاثون رجلًا أحارب الروم.

 

وبعد الإصرار عليه وافق أن يذهب معه ستّون رجلا.

 

ومضى ستّون رجلًا مسلماً، وهاجموا ستين ألفاً من الروم كانوا غرقى في السلاح، وهزموهم وانهزم سبع مئة ألف روميّ كانوا ظهيراً لأولئك، وولّوا الدُّبر «[3]». فالإيمان هو الذي صنع هذا العمل، وأنتم رأيتم أن قدرة الإيمان قد تجلَّتْ في إيران عملًا، فإذ سرى التحوّل الروحيّ في شعبنا كان ما هو أعظم من هدم هذا السدّ. وقلتُ هذا مكرّراً: كان الشرطيّ يأتي سوق طهران أكبر أسواق إيران، ويقول: رابعُ آبان «[4]»، ارفعوا البيارق. وما كان أحد يسمح لنفسه أن يتأخّر في ذلك، فما كان التأخّر يخطر بذهنه. ونضجت نهضة هذا المجتمع، هؤلاء الناس تقريباً في السنين الأخيرة، فهذا انصبّ في الأزقّة والشوارع، ونادى بالموت لهذا الحكم. هؤلاء كانوا يخافون من شرطيّ، أصحاب السوق هؤلاء الذين كانوا يخافون نؤلوا إلى الشوارع، وهتفوا بأيد خالية أن الموت للنظام، ولا نريد هذا النظام، نريد الإسلام.

 

غلبة الإيمان لجيشِ الشيطان‏ كان هذا التقدم، لأنّهم كانوا يريدون الإسلام، وما لأحد شأن في هذا لا للمجتمع، ولا لأحد منه، فقد حدث بقدرة الله فحافظوا على هذه العناية الإلهية. حتى الآن أمكنتكم القدرة الإلهية أن تتحرّروا، وتنالوا الاستقلال، وما من دولة من الدول تستطيع بعدُ أن تتصرّف في بلادكم: فاحفظوا هذا الإيمان وهذه القدرة الإلهية، هذه الوديعة الإلهية،" وأنتم الأعلون" مادامت هذه الوديعة محفوظة، فإذا فقدنا هذه الوديعة- لا سمح الله- دبَّ فينا الفتور والضعف والحزن والغمّ والهزيمة. فإن أردتم أن تنتصروا، فيجب أن تحفظوا رمز النصر، ورمز النصر كان الإيمان، وهو الذي جاء بوحدة الكلمة، الإيمان جاء بوحدة الكلمة، فهتف الجميع معاً كلهم معاً بمطلب واحد من أقصى البلاد إلى أقصاها. اجتمعوا من العاصمة إلى كل أرجاء البلاد، ومضى الصوت، وتنادَى الجميع أن: جمهورية إسلامية، الإسلام. ورأوا الشهادة فوزَهم. وحمل أولئك الذين كانوا يفرّون من كل شي‏ء على الدبّابات والمدافع، وتغلّبوا على جيش الشيطان والطاغوت. احفظوا هذا الرمز، احفظوا هذه الثورة، احفظوا هذه الوحدة، لتكُن جميع الطبقات معاً؛ عالم الدين مع الجامعي، والجامعي مع عالم الدين، والكلّ مع الكاسب والفلّاح والموظّف والإداريّ، الكلّ مع الكلّ، وأكثر احتياجنا من الآن فصاعداً إلى وحدة الكلمة.

 

وجوب معرفة جذور الطاغوت‏

 

أرانا الآن نواجه الفتور، وهذا لازم كل نصر، فحين تنتصر العقيدة يلوح الفتور ونحن لمّا ننتصر، فلا تفتروا. جذور النظام والأجانب الفاسدة في بلادنا في كل زاوية وناحية فإن تفتروا تجتمع هذه الجذور، واجتماعها خطر. فيجب حفظ هذه النهضة ووحدة الكلمة، ولا تتراجعوا، لا يرجع شعبنا إلى أنهم بلا سكنى، بلا مأوى. انتصروا تملكوا كل شي‏ء. نحن لم ننتصر بعد. اعرفوا هذه الجذور، هؤلاء الذين يثيرون الإشكالات. اعرفوا هؤلاء الذين لا يريدون أن تتحقّق الجمهورية الإسلامية. كان هؤلاء يريدون الشاه ما دام، وهم الآن يتمنّونه وهذه امنيتهم إلى القبر.

 

أشكر لكم أيها العلماء والفضلاء والمؤمنون مجيئكم من بعيد للقائنا والاستماع إلينا.

 

نحن اليوم نواجه جماعات مناوئة لثورتنا بصور مختلفة، وأملي أن يهتدي هؤلاء.

 

أشكر للسيد المرعشي «[5]» تفضّله بالمجي‏ء، وأشكر لجميع السادة، وأبتهج بهذه الوجوه النورانية التي أراها. أسعدكم الله جميعا، وجعلكم جميعاً من جيش إمام الزمان- سلام الله عليه[6].

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] سورة آل عمران، الآية 139.

 

[2] أبو عبيدة، قائد جيش الإسلام.

 

[3] تاريخ الطبري، ج 3، ص 455.

 

[4] مولد محمد رضا شاه.

 

[5] يبدو أنه السيد كاظم اخوان المرعشي.

 

[6] صحيفة الإمام، ج‏8، ص: 138

 

التاريخ 25 خرداد 1358 ش/ 20 رجب 1399 هـ

 

المكان: قم‏

 

الحاضرون: علماء دين خراسان وحرسها