السيّد حسن نصر الله

 

الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله يؤكد أنّ استفادة لبنان من كل عناصر القوة فيه، الموقف الرسمي والمقاومة والموقف الشعبي، هي التي أوصلت لبنان إلى الانتصار التاريخي.

 

أكّد الأمين العام لحزب الله سماحة السيّد حسن نصر الله في كلمة له حول تفاصيلَ ملفِّ ترسيمِ الحدودِ البحريةِ الجنوبيةِ مع فلسطين المحتلة بتاريخ 29/10/2022 أنّ لبنان القوي شعبًا ومقاومة هو الضمانة لتنفيذ اتفاق الترسيم واستخراج الغاز.

 

وأشار السيّد نصر الله في لمحة تاريخية حول قضيّة الترسيم بين لبنان وفلسطين المحتلة، أنّ الحدود البرية بين فلسطين المحتلة ولبنان رسمها الانتداب الفرنسي والبريطاني، ولكن لم يتم ترسيم أيّ حدود بحرية، وبعد الكلام منذ سنوات عن وجود النفط والغاز أصبح لبنان بحاجة لترسيم الحدود البحرية.

 

المراحل التي مرّ بها الترسيم

 

ولفت الأمين العام لحزب الله إلى أنّه «على ضوء تحديد الحدود البحرية، يحدّد لبنان بلوكات الغاز والنفط»، مشيراً إلى وجود «شيء اسمه المياه الإقليمية ولها آلية حساب، وهناك المياه المتاخمة، وبعدها هناك جزء اسمه المنطقة الاقتصادية الخالصة». وأوضح سماحته أنّ «المياه الإقليمية هي جزء من الدولة، والدولة اللبنانية لها سيادة كاملة على هذه المياه، ولها أن تستفيد من ثرواتها وخيراتها». في هذا السياق، نوّه السيّد نصر الله إلى أنّ «الكيان يعتبر أنّ حدوده من النيل إلى الفرات، وهو أصلاً لا يعترف بحدود، ويعتبر أنّ حدوده حيث تصل قوته وجبروته».

 

وذكر السيد نصر الله أنّ «الخط 23 يفرض على لبنان تحرير تلك المنطقة البحرية تحت عنوان مياه إقليمية ومنطقة اقتصادية وهي قضية وطنية»، موضحاً أنّ «الدولة اللبنانية عدّت الخط 23 حدوداً بحرية، وتركت الباب مفتوحاً للتعديل».

 

وأكد سماحته أنّ موقف المقاومة منذ العام 2000 قائم على عدم التدخل في ترسيم الحدود البحرية باعتبارها مسؤولية الدولة، وتابع: «قلنا ونقول إنّ المقاومة لا تتدخل في ترسيم الحدود لأسباب كثيرة، وإنّما نقول ما تعدّه الدولة للبنان نحن نلتزم به»، مضيفاً أنّ «الذين يتحدثون عن الخط 29 كان عليهم أن يتحركوا عام 2011 عندما صدر مرسوم الخط 23»، وتوجّه إليهم بالقول: «واصلوا نضالكم، ولكن من دون لغة تخوين وغيرها».

 

وبحسب السيد نصر الله، فإنّ «العدو رسم الخط 1 من الناقورة، واعتبر المنطقة البحرية له، ومنع أي أحد من الاكتشاف والاستخراج في كل المنطقة، فيما كان لبنان قد قال سابقاً إنّ له حقوقاً في تلك المنطقة»، كما لفت إلى أنّ العدو تسلّط على هذه المنطقة، حيث مارس سلطة وهيمنة على منطقة البلوكات الحدودية، وادّعى أنّها له وضمن حدوده البحرية ومياهه الإقليمية ومنطقته الاقتصادية الخالصة.

 

وأشار السيّد نصر الله إلى أنّه «كان هناك منع أميركي من الاكتشاف والاستخراج في سياق الحصار المفروض على لبنان والضغط على الدولة اللبنانية للتنازل عن الحدود والقبول بالخط رقم 1»، مؤكّداً أنّ «الشركات التي تعهدت في السنوات الماضية قبل الترسيم، العمل في البلوكات الجنوبية قامت أميركا بمنعها».

 

وعرض السيد نصر الله خريطة يظهر فيها الخط 23 والخط رقم واحد الذي رسمه العدو الإسرائيلي، مشيرًا إلى أنّه بحسب الرقم المتداول، فإن المنطقة بين الخط رقم 1 والخط 23 مساحتها 879 كليومتراً مربعًا.

 

وذكّر السيد نصر الله بأنّ «الوسيط الأول فريدريك هوف، طرح خطاً وعدّه تسويةً ما بين الخط 1 الذي يدّعيه العدو والخط 23، وأعطى 45% للعدو من هذه المساحة، فيما أعطى 55% للبنان»، مشدداً على أنّ «ذلك كان مجحفاً جداً للبنان»، وأضاف: «مارس الأمريكيون الضغط على الجميع، لكنّ الموقف اللبناني الرسمي بقي رافضاً لخط هوف». 

 

وتابع سماحته «انتقلت المفاوضات إلى الناقورة التي وصلت لاحقًا إلى طريق مسدود.. وبعد تبدّل الإدارة الأمريكية تم تكليف هوكشتاين، فقدّم طرحًا جديدًا متقدمًا عن طرح هوف، ولكن لا يستجيب للمطالب اللبنانية وهنا بدأت تحوّلات في المنطقة والعالم».

 

دخول المقاومة على الخطّ.. كاريش ما بعد بعد كاريش

 

ولفت الأمين العام لحزب الله إلى أنّه «ما قبل المرحلة الأخيرة لم يُطلب من المقاومة شيئًا، لكن المقاومة كانت بصورة ما يحصل»، وتابع: «في هذه المرحلة أتت سفينة الى حقل كاريش لتبدأ استخراج النفط والغاز، وهنا بدأت مرحلة جديدة».

 

وأوضح السيّد نصر الله أنّ «خلاصة بيانات الرؤساء اعتبرت أنّ بدء الاستخراج هو اعتداء على لبنان، وهذه منطقة متنازع عليها»، مذكّراً بأنّ «المقاومة أخذت موقفاً متقدماً بأنّها لن تسمح للإسرائيلي باستخراج النفط من كاريش قبل اتفاق يستجيب لمطالب لبنان... وبناءً على هذا التهديد أصبحنا أمام مرحة جديدة بالكامل، وقلنا إنّ هذا يعني ما بعد بعد كاريش وكل المنشآت الموجودة التي تطالها صواريخ المقاومة الإسلامية في لبنان».

 

وقال السيد نصر الله: «وصلت المفاوضات في بعض الليالي إلى طريق مسدود، وكدنا نذهب إلى حرب»، لكنّ «صلابة وصمود المفاوض اللبناني والرؤساء كان أساسياً جداً في عملية التفاوض، وبالتزامن أطلق العدو تهديدات بالتدمير، وضغط الأميركي للقبول بتسويات غير مناسبة للبنان، وأضاف: «أطلقنا المسيرات، والمعطيات الميدانية كانت تؤكّد أنّ المقاومة تتجهز لحرب شاملة، والإسرائيلي أدرك ذلك».

 

وأكّد أنّ «الموقف اللبناني الرسمي الموحد والقوي والتهديد من قبل المقاومة أدّيا عملياً إلى وضع "إسرائيل" تحت ضغط شديد»، لافتاً إلى أنّ «الإسرائيلي لم تكن لديه القدرة على الذهاب إلى الحرب ولا إلغاء كاريش، فكان الحل الوحيد الذهاب إلى المفاوضات غير المباشرة». 

 

انتصار تاريخي كبير

 

ولفت الأمين العام لحزب الله إلى أن «لبنان حصل على كل ما أراده باستثناء أمر واحد بقي عالقًا، ولكن النتيجة كانت انتصارًا تاريخيًّا وكبيرًا، وتابع: بقي هناك مربعاً صغيراً عالقاً مساحته 2.5 كلم مربع. نحن نقول، إنّ هذه مساحة من مياهنا الإقليمية اللبنانية وهي محتلة من العدو»، مؤكدًا أنّ «هذه منطقة محتلة وعلى لبنان الشعب والدولة والمقاومة العمل على تحريرها. والبعض عندما يقول، إنّ لبنان حصل على 95 % فهو لا يبالغ، لأنّ هذه المنطقة بقيت عالقة».

 

وأكّد السيد نصر الله أنّ «لبنان كان قوياً فاستخدم كل القوة، وشجاعاً لأنّه لم يخف من الضغوط الأميركية والضغوط الصهيونية، وبأن يذهب إلى الحرب»، مشيراً إلى أنّ «الموقف الرسمي تبنّى تهديد المقاومة، وكان حكيماً من خلال كل عملية التفاوض والإدارة السياسية والميدانية».

 

كذلك اعتبر سماحته أن من الأسباب التي أدت إلى تحقيق الإنجاز صمود البيئة الحاضنة التي كانت ستتلقى الضربات لو ذهبنا إلى الحرب، «ولا أقصد البيئة الشيعية، بل أيضًا البيئة المؤيدة في كل المناطق».

 

5 إنجازات حقّقها لبنان

 

السيد نصر الله فنّد الإنجازات التي تمكن لبنان من تحقيقها من خلال اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع "إسرائيل"، موضحاً أنّه «أولاً، لبنان رفض خط 1 الإسرائيلي، ورفض خط هوف، وتحمّل كل المخاطر وضغط الوقت والزمان وأصرّ على الخط 23 وعلى البلوكات كاملةً، لا بل أكثر من ذلك».

 

وأشار السيّد نصر الله إلى أنّ الإنجاز الثاني هو «إصرار لبنان على حصوله على البلوكات كاملةً، لا تبادل ولا تعديل ولا أي شيء، أي كل البلوكات 8 و9 و10 المرسمة من قبل الدولة اللبنانية، تم الحصول عليها بالكامل».

 

وبيّن سماحته أنّ «الإنجاز الثالث، هو حصول لبنان على كامل حقل قانا، من دون أي التزام من الجهة اللبنانية ولا تقديم تعويض ولا أي شيء، وذلك من موقع القوة، وهناك التزام من العدو بعدم القيام بأي نشاط باتجاه الجزء من حقل قانا الواقع جنوب خط الـ 23». 

 

وذكر أنّ «الإنجاز الرابع هو على درجة عالية من الأهمية، وهو رفع المنع عن الشركات التي التزمت بالعمل في البلوكات، إذ لا يستطيع العدو الإسرائيلي أن يهددها أو أن يطلق عليها النار ولا أن يمنعها على الإطلاق بحسب الاتفاق»، مضيفاً أنّه «أيضاً، رُفع المنع الأميركي والغربي في سياق الحصار المفروض على لبنان، لا بل التزموا بتشجيع الشركات على التنقيب واستخراج الغاز».

 

وأشار السيد نصر الله إلى إنجاز خامس وهو أنّه «حتى في المساحة مع قبرص، فإنّ حصة لبنان من المنطقة الاقتصادية الخالصة ستتوسع بعد هذا الترسيم».

 

العدو يعترف بتوازن الردع.. والمقاومة على جهوزية

 

ولفت السيد نصر الله إلى أنّ العدو الصهيوني اعترف بتوازن الردع مع المقاومة نتيجة ما جرى في ملف ترسيم الحدود البحرية، مجددًا التأكيد على جهوزية المقاومة عندما تقتضي المصالح الوطنية الكبرى تجاوزَ قواعد الاشتباك، وعلى أنّها لن تتردد لو اقتضى ذلك الذهاب إلى حرب.

 

وشدد سماحته على ضرورة متابعة الوزراء، وعلى أن يكون هناك متابعة قانونية للحفاظ على هذا الإنجاز، مشددًا على أن لبنان القوي يشكّل ضمانة، مجددًا التأكيد «لن يستطيع أحد استخراج الغاز إذا مُنع لبنان من استخراج غازه»، وأنّ «لبنان القوي شعبًا ومقاومة هو الضمانة لتنفيذ اتفاق الترسيم واستخراج الغاز، وكل انتصار وأنتم بخير».

 

لا شبهة تطبيع.. الوثيقة لا تحمل توقيعاً «إسرائيلياً»

 

وحول الشُبهات التي يثيرها البعض لاعتبار ما حصل تطبيع، قال الأمين العام لحزب الله: «كان هناك مشكل كبير حول حقل قانا بإدارته وحق لبنان، وكان الأميركي يريد أن يورِّط اللبناني في التطبيع»، وتابع: «لا شبهة تطبيع أو اعتراف بالعدو بعد اتفاق ترسيم الحدود البحرية».

 

وكان السيّد نصر الله قد أوضح في خطاب سابق بتاريخ 27/10/2022 أنّ «المفاوضات، في ملف الترسيم، كانت كلّها غير مباشرة، ولم يلتقِ الوفدان اللبناني والإسرائيلي تحت سقف واحد»، مضيفاً أن «الوثيقة، التي سيحتفظ بها لبنان، لا تحمل توقيعاً إسرائيلياً، كما أن المسؤولين في لبنان تصرّفوا بدقة من أجل عدم إعطاء شبهة تطبيع».

 

المصدر: https://arabic.khamenei.ir/news/6634