«إني أأمل إنشاء الله أن يأتي اليوم الذي يتحقق فيه وعد الله الحق، ويرث المستضعفون الأرض. وهذا وعد الله ولن يخلف الله وعده، لكن السؤال هل نتمكن من إدراك هذا الأمر أم لا ندركه؟ فهذا بيد الله تعالى، إذ من الممكن أن تتهيأ الظروف المناسبة فنتمكن من رؤية طلعته البهية، وهذا الأمر المهم يعد تكليفنا الشرعي في هذا العصر. فنحن جميعاً ننتظر ظهوره المبارك، لكن لا يتحقق كل شيء بالانتظار فقط؛ بل نجد الأوضاع التي يعيشها الكثير منا تتنافى ومفهوم الانتظار، إذ ينبغي علينا ملاحظة تكليفنا الشرعي والإلهي والعمل به، ولا نبالي بأي أمر من الأمور الأخرى».

 

إن مفهوم الانتظار من وجهة نظر الإمام الخميني (قدّس سرّه) يمثل في الحقيقة بياناً لتكليف اعتقادي واجتماعي، فقد كان رحمه الله ينتقد مفهوم الانتظار عند أغلب المنتظرين في ظل النظام الطاغوتي، ويعتبر المنتظر الحقيقي لظهور الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف، هو العامل بتكليفه الشرعي في قبال المجتمع ومسيرته التكاملية. وعلى هذا الأساس، يمكن أن نعتبر الانتظار يمثل نفس الاعتراض الذي يبديه المنتظرون للإمام المهدي (عج) أمام الوضع الموجود وامتعاضهم منه، وأملهم في تحقق النظام السياسي للصالحين.؟

 

إن بيان التكليف الفعلي والشرعي للمسلمين مرتبط برسالتهم في مواجهة الغزو الثقافي والسياسي والاقتصادي الذي يشنه المستكبرون على الشعوب الإسلامية، وهو تكليف لا ينبغي الغفلة عنه أو التساهل فيه؛ بل إن الانتظار لا يمثل سوى الاستعداد لظهور المهدي الموعود، وهذا الاستعداد عند المنتظرين يحمل نفس الأبعاد التي يمثلها ظهور الإمام المهدي في المجالات الثقافية والسياسية والاقتصادية والتربوية.

 

إن الوظيفة العملية الأولي للمنتظرين، تتمثل بنبذ الظلم والطغيان في كل زمان ومكان من العالم الإسلامي، والاستعداد النفسي للانضمام إلى التيار الرافض للظلم والطغيان في مختلف بقاع العالم. فتحقق الوعد الإلهي الأكيد بوراثة المستضعفين للأرض وحكومتها، إنّما يرتبط بمدى استعداد القوى المعتقدة بولاية المهدي وعدالته. وقد أشار إمامنا العظيم قائد الثورة الإسلامية إلى هذا المعنى القرآني، بضرورة أن يطمأن المنتظرون ولا يتسلل إلى قلوبهم الخوف والقلق في مسيرة انتظارهم للمهدي الموعود.

 

إن مفهوم الانتظار عند الإمام الخميني (قدّس سرّه) نابع من معرفته بسيرة الأنبياء في مقارعتهم للظلم والطغيان، إذ كانوا يرفضون كل أشكال الطاغوت ويواجهونه بكل ما أوتوا من قوة دون أن يهتموا بأمر النصر أو الهزيمة الظاهرية:

 

«إن سيرة الأنبياء كانت تحمل هذا المعنى... إنهم كانوا يعارضون الطاغوت حتى لو فشلوا أو تعرضوا للقتل أو قدموا الضحايا في هذا السبيل. إذ هناك قيمة معنوية لوقوف الإنسان بوجه الظالم ورفضه الظلم والاستعداد لتوجيه الضربة الموجعة له حتى لا يتمادى أكثر بظلمه».

 

ومما يلاحظ في توجيهات ووصايا الإمام الخميني (قدّس سرّه) تأكيده على مقارعة الظلم والظالمين واعتبارها أمراً إنسانياً وإلهياً مهماً، وهذا يضع على المؤمنين كما كان بالنسبة للأنبياء مسؤولية السعي للحيلولة دون تماديهم في الظلم والتجاوز على حقوق الناس. عن هذا التفسير لمفهوم انتظار الإمام الحجة (عجل الله فرجه الشريف) يخالف رأي البعض ممن يرون ضرورة إشاعة الظلم والاستضعاف لتمهيد ظهور الإمام (عجل الله فرجه الشريف)، وبالتالي فهم يتنصلون عن أي تكليف ووظيفة في مواجهة الظلم والظالمين. وهذه الصراحة التي بين فيها الإمام الراحل (قدّس سرّه) وجهة النظر الرافضة للرؤية الإعتقادية والعملية لبعض المنتظرين، إنّما تحكي عن معرفته ومواقفه الثابتة بالنسبة لمسألة المهدوية.

 

وما كان إقدام مؤسس الجمهورية الإسلامية (قدّس سرّه) في إصدار الأمر بتعطيل مراسم الاحتفال بعيد النصف من شعبان لعام (1357ﻫ.ش) لمصادفتها مع شدة جرائم النظام الشاهنشاهي الظالم، إلاّ تعبيراً عن وجهة نظره التي تقدم المصالح الإسلامية على المراسم الإسلامية. وقد أدى هذا الموقف المفاجئ للإمام إلى حيرة مدعي التدين والتمسك بالولاية، فخالفوا أوامره وتوصياته واستمروا بإقامة مراسم العيد، لأن موقف الإمام (قدّس سرّه) قد حمل في طياته مفهوماً اعتراضياً للانتظار لم يكن يؤمن به هؤلاء الأفراد. وبعد انتصار الثورة الإسلامية ذكر الإمام الراحل (قدّس سرّه) هذه الحادثة وذكر أسم أحد الأفراد المرتبطين بالنظام الشاهنشاهي كان يسعى لإقامة المراسم الإسلامية للاحتفال بالعيد، حتى يصرف الناس عن الاهتمام بمصالحهم الإسلامية.

 

«أبارك لجميع المسلمين والمستضعفين الميلاد المبارك لإمام الأمة وعصارة الخلقة ووارث النبوة وإمام العصر والزمان (عجل الله تعالى فرجه الشريف). في السنة الماضية أمرنا بتعطيل الاحتفال بهذا العيد المبارك لما حل بالإسلام والمسلمين من مصائب في مثل هذه الأيام، ورغم سعي المرتبطين بالنظام الشاهنشاهي إلى تشجيع الناس على إقامة هذه المراسم الإسلامية ولصرفهم عن مصالحهم الإسلامية، لكنهم ولله الحمد لم يوفقوا في سعيهم».

 

ولندع جانباً الحديث عن ماهية هذه المجموعة التي اتخذت مواقفاً لا تنسجم مع مواقف الإمام والثورة، حتى شهدوا فشلهم وخذلانهم. وما هو مهم الآن التطرق لتلك الرؤية الولائية التي يحملها الشعب الإيراني في مسألة الانتظار والمهدوية، فأدى اعتراضهم وإضرابهم العام إلى حدوث معجزة كبرى في تاريخ مواجهتهم للظلم والظالمين.

 

«أسأل الله تعالى أن يعجل بظهور إمام العصر والزمان (سلام الله عليه)، وينير عيوننا بطلعته البهية. نحن جميعاً ننتظر الفرج، لذا ينبغي علينا العمل لخدمة الإسلام في فترة الانتظار. إن انتظار الفرج انتظار لقدرة الإسلام، فينبغي علينا السعي لتحقيق قدرة الإسلام في العالم، حتى تتهيأ مقدمات ظهوره إنشاء الله».