الجانب المعنوي والثقافي في حياة الإمام الرضا (عليه السلام)

كان الأئمة (عليهم السلام) يمارسون جهاداً عصيباً وثرّاً وشاملاً على الصعيد المعنوي والثقافي؛ بغية الحفاظ على أسس العقيدة الإسلامية, والحيلولة دون الانحراف الذي كان يخشى من ظهوره في ظل حكم السلطان الجائر، والذي كان ظاهراً، وعلى الصعيد السياسي أيضاً.

وقد تجلّت قمة هذه الحركة في عصر الإمام الصادق (عليه السلام), ولا يعني ذلك أنها لم تكن متجلّية في الأزمنة الأخرى، فقد كانت في الذروة أيضاً في عصر الإمام الرضا (عليه السلام) وفي الأزمنة الأخرى كذلك، سوى أنَّ توفّر الفرصة السانحة في عصر الإمام الصادق (عليه السلام) والذي تمكن من اغتنامها لبناء أسس المعرفة الإسلامية الصحيحة في المجتمع وتعميقها, بحيث لم يعد بإمكان التحريف أن يطالها ويزعزعها.

 

تجنب البدع في طريقة زيارة الإمام الرضا (عليه السلام)

هناك بدعة غريبة ابتدعوها مؤخراً في كيفية الزيارات. أنتم تعلمون أن جميع أئمة الهدى(عليهم السلام) كانوا يزورون المرقد الطاهر للرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) والمراقد المطهرة لأئمة أهل البيت (عليهم السلام) في المدينة المنورة والعراق وإيران، ولكن هل سمعتم أن أحداً من الأئمة أو من العلماء كان يزحف على صدره من باب الحرم إلى الضريح أثناء الزيارة، فلو كان هذا العمل مستحباً أو مستحسناً لقام به علماؤنا الكبار، إلاّ أنهم لم يقوموا بمثل هذه الأعمال، وحتى انه نُقل بأن المرحوم آية اللّه العظمى البروجردي (رضوان اللّه عليه) ذلك العالم الورع والمجتهد البارز وذو الأفكار النيّرة منع حتى تقبيل العتبة لدى دخول الحرم المطهر لأي من الأئمة(عليهم السلام). ورغم ان هذا العمل قد يكون من المستحبات كما جاء في كتب الأدعية، وأتذكر أن هناك رواية باستحباب تقبيل العتبة، ولعل المرحوم البروجردي إنما منع ذلك حتى لا يُتصوّر أنه نوع من السجود يتبجّح به الأعداء لتوجيه الاتهامات إلى الشيعة.

ليس صحيحاً أن يدخل فجأة عدد من الناس إلى الحرم المطهر للإمام علي بن موس الرضا (عليه السلام) ويزحفون على صدورهم مسافة مائتي متر نحو المرقد، كلا، انه عمل خاطئ، انه استهانة بالدين وبحرمة الزيارة، من يروّج هذه الأمور بين الناس. ليكُّفوا عن ذلك، انه من عمل الأعداء.

 

الإمام الرضا (عليه السلام) ومصائب الحسين

كان الإمام الرضا (عليه السلام) يحث الريّان بن شبيب بعقد مأتم لذكر مصائب سيد الشهداء، فلم يكن ذلك إلاّ بهدف بقاء نهج الإمام الحسين عَلماً لحركة الأمة الإسلامية نحو أهداف الإسلام، فلابد أن يبقى هذا العلم قائماً، كما أنه لا يزال قائماً ولا يزال هادياً إلى يومنا هذا.

 

الإمام الرضا (عليه السلام) وفلسفة الصوم

ذكروا للصوم ثلاث مراتب وكلها مفيدة لمن هم أهل لها .. الأولى منها هي مرتبة الصوم العام بما يعنيه من الامتناع عن الطعام والشراب وسائر المحرّمات. ولو كان الصوم لا يعني إلاّ الإمساك عن هذه الأمور، لكانت فيه منافع كثيرة؛ لأنّه بمثابة تعليم لنا، ولنا فيه درس وتمرين وممارسة واختبار، وهو بمثابة رياضة تفوق في فائدتها الرياضة الجسمية. وقد وردت عن الأئمة (عليهم السلام) روايات تتحدث عن هذه المرتبة من الصيام.

فهناك رواية منقولة عن الإمام الصادق (عليه الصلاة والسلام) يعلل فيها الصوم بقوله: “ليستوي به الغني والفقير”؛ على اعتبار أنَّ الفقير لا يستطيع الحصول على كل ما تشتهيه نفسه من الأطعمة والأشربة طوال اليوم، بينما الغني يستطيع الحصول على كل ما لذّ وطاب. ومن الطبيعي أن الغني لا يدرك حالة الفقير وفقره وعدم قدرته على توفير كل ما تشتهيه نفسه. أمّا عند الصوم فيصبح وإيّاه على حد سواء ويُحرم كلاهما من المشتهيات النفسية باختيارهما.

ووردت عن الإمام الرضا (عليه السلام ) رواية أخرى يشير فيها إلى نكتة أخرى، حيث يقول: “لكي يعرفوا ألم الجوع والعطش فيستدلّوا على فقر الآخرة”؛ إذ أن من جملة الابتلاءات التي يواجهها الإنسان في يوم القيامة هي الجوع والعطش. وهكذا يجب عليه مكابدة جوع وعطش شهر رمضان ليعرف حالة يوم القيامة ويتنبّه إلى صعوبة تلك اللحظة العسيرة.

وهناك أيضاً رواية أخرى عن الإمام الرضا (عليه السلام) تعنى ببعد آخر من أبعاد الصيام وهو بعد الجوع والعطش، يقول (عليه السلام) فيها: “صابراً لما أصابه من الجوع والعطش”؛ أي أن الصوم يمنح الإنسان القدرة على الصبر على تحمل الجوع والعطش. فالأشخاص الذين يتربون في ظل حياة مترفة لا يذوقون فيها الجوع والعطش ليس لديهم قدرة على الصبر والتحمّل، ويهزمون سريعاً في الكثير من الميادين، وتسحقهم عجلة الحياة وشدائدها وتجاربها بكل سهولة؛ أمّا الإنسان الذي ذاق طعم الجوع والعطش فهو يعرف معنى هذه الأمور ويتحلى بالقدرة على تحمل الشدائد التي قد تعرض له عن هذا الطريق. وشهر رمضان يمنح الجميع هذا الصبر وهذه القدرة على التحمّل.

ووردت في هذا الميدان أيضاً رواية أخرى عن الإمام الرضا (عليه الصلاة والسلام)، ولعل هذه الجمل تشكّل عدّة فقرات من حديث واحد، فهو يقول في وصف شهر رمضان: “ورائضاً لهم على أداء ما كلّفهم”؛ أي أن تحمل الجوع والعطش في شهر رمضان يعد نوعاً من الرياضة التي تجعل الإنسان قادراً على تأدية شتّى تكاليف الحياة. والمراد طبعاً هنا هو الرياضة الشرعية والرياضة الإلهية والرياضة الاختيارية؛ إذ أن من جملة الأمور التي تمكّن الإنسان من طيّ السبل العسيرة في الحياة هي الرياضة الروحية التي يلتجئ إليها الكثيرون، وهي رياضة شرعية طبعاً.

 

الاعتداء الآثم على مرقد الإمام الرضا (عليه السلام)

إن توفير الأمن على المستوى العالمي في وقتنا الحاضر أمر له أهمّيته الخاصة أيضاً، واليوم يوجد كلام رائج على الساحة الدولية ـ وهو كلام صحيح ومنطقي من وجهة نظرنا ـ ولكنّه وللأسف ككثير من الكلام المنطقي الذي يصدر من أناس منحرفين ومخادعين مما يؤدّي إلى سلب ثقة الإنسان بمثل هذه الكلمات. وذلك الكلام هو وجوب مكافحة الإرهاب ـ وهذا كلام منطقي ـ. فماذا يعني الإرهاب؟ الإرهاب يعني انّ فئة أو منظّمة أو حكومة تريد تحقيق أهدافها من خلال الاغتيال والقتل وإشاعة الخوف والرعب في أوساط المجتمع. ومثال ذلك ما قام به المناُفقون الأذلاّء في حرم الإمام علي بن موس الرضا (عليه السلام) الطاهر والذي يعتبر من أقبح صور الإرهاب.

فهؤلاء المساكين تخيّلوا ـ بعد التحليل والحسابات ـ انّه لابدّ من خلق أزمة للجمهورية الإسلامية والشعب الإيراني. والأزمة تعني ـ حسب تصوّرهم ـ القيام بتفجيرات وأعمال إرهابية في مختلف أنحاء البلاد، وبهذا سيتمكّنون ـ كما تخيّلوا ـ من نشر الخوف والرعب بين أبناء الشعب وإشاعة البلبلة في الجهاز الحكومي وإثارة الاختلافات العرقية والطائفية حال تمكّنهم من ذلك.

هكذا كان تحليلهم وتصميمهم. أمّا الوسيلة التي اتّخذوها لتنفيذ هذا الأمر فهي تفجير حرم الإمام الرضا (عليه السلام) وهتك حرمة أكثر الأماكن قدسية ـ داخل إيران ـ وقتل الأبرياء والأتقياء ـ ضيوف الإمام الرضا (عليه السلام) ـ الذين كانوا متوجّهين إلى الله بالدعاء والتضرّع والتوسّل، فلعنة الله على تلك القلوب السوداء.